قضايا معاصرة - الأمية والحلول الشكلية

إنً دول العالم المتحضر الآن سعت بكل ما تملك من قدرة وإخلاص وتفاني لتمحو أمية الكمبيوتر والنت والتكنولوجيا ..ونحن هنا في مصر ما زلنا نسعى بخطى السلحفاء لمحو أمية الكتابة والقراءة.

في بلد الأزهر الشريف وأزهى المدارس والمعاهد بل والمساجد ما زال في بلدنا أمية مخيفة تقدر من أربعة عشر مليوناً إلى 17 عشر.. وتأتي مصر في الترتيب التاسع في الأمية في العالم من حيث كثرة العدد.

وكم كنت أود أن تعلن دولتنا الحبيبة خبراً ساراً سعيداً أنها قد تخلصت تماماً من داء الأمية ومرضها المزمن ومحته محواً نهائياً إلي الأبد وبلا رجعة؛ حتى ننطلق أوسع نحو التقدم الحضاري المنشود والازدهار العلمي المأمول.. إذ لا أمل في تقدم الأمة وعودة الريادة والقيادة لها.. وهي مازالت قابعة عاجزة تحت طاغوت الأمية .

ومن آن لأخر تخرج محاولات ضعيفة باهتة تريد أن تفعل شيئاً لمحو أمية الأميين.. وسرعان ما تنطفئ شعلة الحماس الفوار وكأنه شمعة موقدة في صحراء تأتيها الرياح من كل ناحية.

ولك أن تتعجب معي من تلك المحاولة المريضة التي فاقت مثيلاتها عجزاً عن حل المشكلة: وهو قرار من العام الماضي أن كل مدرس متعاقد في الدولة عليه أن يقوم بتقديم أسماء عشرة من الأميين، ثم يعمل على محو أميتهم على أن يعقد لهم امتحان ..والفائز يحصل على شهادة محو الأمية ومبلغ 50 جنيه" فقط.

وحقيقة وصلني الخبر ففرحت لأول وهلة، لكنني لما تابعت ما يحدث مع المتعاقدين حزنت حزناً شديداً.. وانقلب فرحي إلى غم وأسى على ما يصيب العقول من غسيل.. والزمم من خراب والضمائر من دمار.

ماذا يحدث في حقيقة الأمر؟

في أي مكان يجتمع العشرة دارسين؟!

ومن الذي يتابع ذلك؟!!!!

وما هو المنهج الذي يدرس لهم؟!!!!

وما هي الضوابط التي تحكم هذا المشروع؟!

كل ذلك ليس موجوداً ،المطلوب فقط عشرة دارسين "أي عشرة" وأعجب أن المتعاقدين نظراً لعدم اقتناعهم بجدوى المشروع من ناحية، ونظراً لعدم المبالاة من ناحية أخري، ولعدم المتابعة الجيدة من القائمين على هذا المشروع؛ لا يهتمون بالموضوع، وما عليه إلا أن يأخذ أسماء عشرة من أقربائه وأبناء حيه عشوائياً آخر العام، ويقدم الأسماء ليعقد امتحان هذلي.

يعلم الله أن الأشخاص الذين يذهبون من حملة المؤهلات المتوسطة بل والمؤهلات العليا.. والأعجب من ذلك أن القائمين على المشروع يعلمون ذلك جيداً.

وأشد من ذلك عجباً أن العشرة لا ينجح منهم إلا دارس فقط أو اثنين.. لتعاد الكرة مرة أخري.. ويطلب من كل متعاقد عشرة آخرين!!!!!

ولقد جلست وتحدثت كغيري مع الكثيرين في هذا الموضوع.. فقال لي أحد المقربين من القائمين على هذا المشروع: بصراحة هي مسألة أرزاق.. وأن هذا سيظل قائماً لأنه يفتح بيوتاً.. وأنهم لا يريدون غلق المشروع.. لأن الدارسين إذا نجحوا سوف يغلق هذا الباب من الرزق.. فمن أين يأكلون؟!!!

بكل بساطة إنها عصابة تتحكم في هذا المشروع.. ونحن وبكل موضوعية نتناقش لنضع الحل المناسب لهذه المشكلة التي أراقت المجتمع طويلاً وما زالت تؤرقه.

أولاً: لابد وأن يدار المشروع من خلال مؤسسة إدارية تعمل في الحقل التعليمي.

فإذا ما أرادت الدولة أن تستفيد بالمتعاقدين.. فما عليها إلا أن تحصر الأميين حصراً دقيقاً في كل حي أو قرية على حده، وأن تعهد بهم إلي مدرسة من المدارس أو مسجد بالإشراف على المشروع ومتابعة المتعاقدين من الذين يلزمون بالتدريس في هذا المشروع وفق منهج تربوي ـ أظنه موجوداً ـ ثم تجري امتحاناً واقعياً لكل مرحلة علمية مع التحقيق من شخصية الدارس.. وأنها هي نفسها شخصية الممتحن..مع وجود هيئة كاملة للإشراف والمتابعة والتوجيه خلال عملية الدراسة.. وكذلك أثناء أداء الامتحانات حتى نصل حقيقة إلى أصل الداء والقضاء عليه.

ثمّ اقتراح آخر وهو أن تضاف جهود كل مؤسسات المجتمع للقضاء على الأمية من أحزاب وجمعيات خيرية .. الخ ،على أن يتقدم الحزب أو الجمعية التي تريد أن تساهم في القضاء على الأمية بطلب إلي الهيئة العامة لمحو الأمية؛ لتمدها بأسماء الدارسين والمنهج الدراسي.

وتقوم بدورها في الإشراف والمتابعة وتحديد مواعيد الامتحانات والإشراف عليها .. الخ ـ ساعتها ستتحقق مجموعة أهداف منها:

القضاء الفعلي والنهائي على مشكلة الأمية في مجتمعنا الحبيب.

ومنها أيضاً التعاون على البر والتقوى

التواصل بين الأحزاب والمؤسسات والانصهار داخل بوتقة واحدة هي الحب لهذا البلد والسعي للارتقاء به.

عسي الله تعالي أن يهيئ الخير لأمتنا العظيمة لتكون حقاً خير أمة أخرجت للناس..وإلي لقاء آخر .